فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} {ثم} استقاموا: ثم حرف يقتضي التراخي، فهو لا يدل على إنهم في الحال لا يكونون مستقيمين، ولكنه معناه استقاموا في الحال، ثم استقاموا في المآل بأن استداموا إيمانَهم إلى وقت خروجهم من الدنيا، وهو آخرُ أحوالِ كونِهم مُكَلَّفين.
ويقال: قالوا بشرط الاستجابة أولًا، ثم استبصروا بموجب الحجة، ولم يثبتوا على وصف التقليد، ولم يكتفوا بالقالة دون صفاء الحالة.
{استقاموا}: الاستقامة هي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها من غير إخلالٍ بشيءٍ من أقسامها. ويقال: هم على قسمين.
مستقيم في أصول التوحيد والمعرفة.. وهذه صفة جميع المؤمنين.
ومستقيم في الفروع من غير عصيان.. وهؤلاء مختلفون؛ فمنهم.. ومنهم، ومنهم.
{وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ}: الذي لهم البشارة هم كل من استقام في التوحيد، ولم يشرك. فله الأمان من الخلود. ويقال: مَنْ كان له أصل الاستقامة أَمِنَ من الخلود في النار، ومن كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد من غير أن يلحقه سوءٌ بحالٍ.. ثم الاستقامة لهم على حسب أحوالهم؛ فمستقيمٌ في عهده، ومستقيم في عقده، ومستقيم في جهده ومراعاة حدِّه، ومستقيم في عقده وجهده حدِّه وحبِّه. وودِّه.. وهذا أتمُّهم.
ويقال: استقاموا على دوام الشهود وعلى انفراد القلب بالله.
ويقال: استقاموا في تصفية العقد ثم في توفية العهد ثم صحة القصد بدوام الوجد.
ويقال: استقاموا بأقوالهم ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم في وقتهم وفي مآلهم.
ويقال: أقاموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محتبه، وقاموا بشرائط خدمته.
ويقال: استقامةٌ الزاهدِ ألا يرجعَ إلى الدنيا، وألا يمنعَه الجاهُ بين الناس عن الله. واستقامةُ العارفِ ألا يشوبَ معرفتَه حظٌّ في الداريْن فيحجبه عن مولاه. واستقامةُ العابدَ ألا يعودَ إلى فترته واتباع شهوته، ولا يتداخله رياءٌ وتصنُّع واستقامة المُحِبِّ ألا يكون له أرَبٌ من محبوبه، بل يكتفي من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده.
{أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُواْ}: إنما يكون الخوف في المستقل من الوقت، ومن حلولِ مكروهِ أو فوات محبوبٍ فالملاكةُ يبشرونهم بأن كل مطلوبٍ لهم سيكون، وكل محذورٍ لهم لا يكون.
والحزن من حُزُونه الوقت، ومن كان راضيًا بما يجري فلا حزنَ له في عيشه. والملائكة يبشرونهم بأنهم لا حزنه في أحوالهم، وإنما هم الرَّوْح والراحة.
{وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ}: أي بحسن المآب، وبما وَعَدَ اللَّهُ من جميل الثواب.
والذي هو موعودٌ للأولياء بسفارة الملَكِ موجودٌ اليومَ لخواصٌ عباده بعطاء المَلِكِ؛ فلا يكون لأحدهم مطالعةٌ في المستقبل من حاله بل يكون بحكم الوقت؛ فلا يكون له خوفٌ؛ لأن الخوف- كما قلنا من قبل- ينشأ من تطلع إلى المستقبل إمَّا من زوالِ محبوبٍ أو حصولِ مكروه (1)، وإن الذي بصفة الرضا لا حزونة في حاله ووقته.
ويمكن القول: {لا تخافوا} من العذاب، {ولا تحزنوا} على ماخلفتم من الأسباب، {وأبشروا} بحسن الثواب في المآب.
ويقال: {لا تخافوا} من عزل الولاية، {ولا تحزنوا} على ما أسلفتم من الجناية، {وأبشروا} بحسن العناية في البداية.
ويقال: {لا تخافوا} مما أسلفتم، {ولا تحزنوا} على ما خلفتم، {وأبشروا} بالجنة التي لها تكلفتم.
ويقال: {لا تخافوا} المذلَّة، {ولا تحزنوا} على ما أسلفتم من الزلَّة، {وأبشروا} بدوام الوصلة.
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} الولاية من الله بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة.
وهذا الخطاب يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة الذين تنزلوا عيلهم، ويحتمل أن يكون ابتداءَ خطابِ من الله.
والنصرة تصدر من المحبة؛ فلو لم تكن المحبة الأزلية لم تحصل النصرة في الحال. ويقال: {نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بتحقيق المعرفة، {وَفِى الأَخِرَةِ} بتحصيل المغفرة.
ويقال: {نَحْنُ أَوْليَآؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالعناية، {وَفِى الأَخِرَةِ} بحسن الكفاية وجميل الرعاية.
{وفِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالمشاهدة، {وَفِى الأَخِرَةِ} بالمعاينة.
في الدنيا الرضاء بالقضاء، وفي الأخرة باللقاء في دار البقاء.
في الدنيا بالإيمان، وفي الآخرة بالغفران.
في الدنيا بالمحبة، وفي الآخرة بالقربة.
{وَلَكُمْ فِيهَا} أي في الجنة {مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ}: الولايةُ نقدٌ، وتحصيل الشهوات وعدٌ، فَمَنْ يشتغل بنقده قلَّما يشتغل بوعده.
{وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}: أي ما تريدون، وتدعون الله ليُعطيَكم.
{نُزُلًا}: أي فضلًا وعطاءً، وتقدمةً لما يستديم إلى الأبد من فنون الأفضال ووجوه المبارِّ.
{مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}: وفي ذلك مساغٌ لآمال المذنبين؛ لأنهم هم الذين يحتاجون إلى المغفرة، ولولا رحمته لما وصلوا إلى مغفرته.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} أي لا أحدَ أحسنُ قولًا منه، ويكون المراد منه النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون جميع الأنبياء عليهم السلام.
ويقال هم المؤمنون. ويقال هم الأئمة الذين يدعون الناس إلى الله.
وقيل هم المؤذنون. ويقال الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاءِ بالله وتَرْكِ طالب العِوَض من الله، ويَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله.
{وَعَمِلَ صَالِحًا}: أي كما يدعو الخَلْقَ إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه.
ويقال هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم سلكوا طريقَ الله، ثم دعوا الناسَ إلى الله.
ويقال بل سلكوا طريق الله؛ فبسلوكهم وبمنازلاتهم عرفوا الطريق إلى الله. ثم دعوا الخَلْقَ إليه بعد ما عرفوا الطريق إليه.
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} ادفعْ بالخصلة التي هي أحسن السيئةَ يعني بالعفو عن المكافأة، وبالتجاوز والصفح عن الزلة، وترك الانتصاف.
{فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} يُشْبِه الوليَّ الحميمَ- ولم يَصِرْ وليًا مخلصًا وهذا من جملة حُسْنِ الأدب في الخدمة في حقِّ صحبتك مع الله؛ تحلم مع عباده لأَجْلِه.
ومن جملة حُسْن الخُلُق في الصحبة مع الخَلْقِ ألا تنتقم لنفسك، وأَنْ تعفوَعن خصمك.
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} لا يقوم بحق هذه الأخلاق إلاّ مَنْ أُكْرِم بتوفيق الصبر، ورُقِّي عن سفساف الشيم إلى معالي الأخلاق. ولا يصل أحسنَ الدرجاتِ إلا مَنْ صبر على مقاساة الشدائد.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} إذا اتصلَتْ بقلبك نزغاتُ الشيطان فبادِرْ بذكر ربِّك، وارجعْ إليه قبل أية خطوة.. فإنك إن لم تخالف أولَ هاجسٍ من هواجس الشيطان صار فكرة، ثم بعد ذلك يحصل العزم على ما يدعو إليه الشيطان.. فإذا لم تتداركْ ذلك تجري الزلَّة، وإذا لم تتداركْ ذلك بحُسْنِ الرُّجعي صار فسقًا وبتمادي الوقت تصبح في خَطَرِ كل آفة.
ولا يتخلص البعدُ من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة وصدق الاستغاثة وبذلك ينجو من الشيطان، وقد قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]؛ فكلما ازداد العبدُ في تبرِّيه من حَوْلِه وقوته، وأخلص بينْ يدي الله بتضرعه واستعانته واستعاذته زاد اللَّهُ في حِفْظه، ودَفَع الشيطان عنه.
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} أَوْضَحَ الآياتِ، وأَلاحَ البينَاتِ، وأَزاحَ عِلَّةَ مَنْ رام الوصول. واختلاَفُ الليل والنهار، ودورانُ الشمسِ والقمر من جملة أمارات قدرته، ودلالات توحيده.
{لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ} في علائها، {وَلاَ لِلْقَمَرِ} في ضيائه، {وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ} فقد غار عليك أن تسجد لغيره.
والشمسُ- وإِنْ عَلَتْ، والقمر- وإنْ حَسُنُ فلأجْلِكَ خلقناهما، فلا تسجدْ لهما، واسجُدْ لنَا.
ويقال: خَلقَ الملائكة- ومع كثرة عبادتهم، ومع تقدمهم في الطاعة- قال لهم: اسجدوا لآدم، وحين امتنع واحدٌ منهم لُعِنَ إلى الأبد. وقال لأولاد آدم العصاةِ المذنبين: {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} فشتِّان ما هما!!.
والحقُّ- سبحانه وتعالى- يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر.. وأنت لأجْلٍ كلِّ حظِّ خَسِيسٍ تنقل قَدَمَكَ إلى كلِّ أحدٍ؛ وتدخل بمحياك عَلَى كلِّ أحدٍ!!.
{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} أي إنْ تَرَفّعَ الكفارُ فلا خَلَلَ؛ لأن الحقَّ غنيٌّ عن كل أحد، ثم إن الملائكة- الذين هم سكان الآخرَ- يسجدون له بالليل والنهار، وهم لا يسأَمون من عبادته.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} الأرضُ تكون جَدْبةً يابسةً في الشتاء، فإذانزل عليهما المطر اهتزت بالنبات واخضرّت وكذلك القلوب إذا خشعت لاستشعارها بما ألمَّتْ به من الذنوب أقبل عليها الحق سبحانه، فظهر فيها بركاتُ الندم، وعفا عن أربابها ما قصرُّوا في صِدْق القدَم؛ وكذلك وقعت للعبد قترةٌ في معاملاته- أو غيبةٌ عن بساط طاعاته، ثم تغمَّده الحقُّ- سبحانه- بما يدخل عليه من التذكر تظهر في القلب أنوارُ الوفاق، فيعود إلى مألوف مقامه، ويرجع عود سداده غضَّا طريًا، ويصير شجر وفاقه- بعد ما أصابته الجدوبة- بماء العناية مستقيًا.
وكذلك إذا بدت لأهل العرفان وقفة، أو حدثت لهم من جرَّاء سوء أدبٍ بَدَرَ منهم حجبةٌ ثم نظر الحقِّ- سبحانه- إليهم بالرعاية.. اهتزّت رياضُ أُنْسِهم، واخضرَّت مشاهدُ قربهم، وانهزمت وفودُ وقفتهم.
{إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ}: إن الذي أحيا الأرضَ بعد موتها قادرٌ على إحياء النفوس بالحشر والنشر. وكذلك هو قادر على إحياء القلوب بنور العناية بعد الفترة والحجبة.
{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} سيلقون من العذاب ما يستوجبونه.. فَلْيَعْمَلوا ما شاءوا.. فليسوا.. يَسْعَونْ إلاَّ في ذَمَّهم، وليسوا يمشون إلا إلى هلاكهم بأَقدامهم.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} الجواب محذوف ومعناه: بقوا عنَّا، ووقعوا في هوانهم وشقوا إلى الأبد.
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}: كتابٌ عزيزٌ لا مِثْلَ له حيث قد عجزوا عن الإتيان بمثله. كتابٌ عزيز غالبٌ لِشُبَهِ المبتدعين والكفار.
عزيزٌ لا يقدر على معارضته أحدٌ.. من قولهم أرض عزاز.
كتاب عزيزٌ لأنه كلامُ ربٍّ عزيز إلى رسولٍ عزيزٍ بسفارة مَلَكٍ عزيزٍ إلى أُمَّةٍ عزيزة.
كتاب عزيزٌ على المؤمنين لأنه كتابُ حبيبِهم.. وكتابُ الحبيبِ إلى الحبيب. عزيزٌ.
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} أي لا ينقضه كتابٌ آخر لا مما تقدَّمه من الكتب، ولا مما يأتي من بعده.. أي لا كتابَ بعده، ولا نسخَ له.
ويقال لا يدفع معناه لفظَه، ولا يخالف لفظُه معناه..
ويقال لا يقدر أحدٌ أنْ يأتيَ بمثله.
{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)} أصولُ التوحيدِ لا تختلف بالشرائع؛ فجوهرُها في الأحكام واحد: هو أنه تجب موافقة أوامره، واجتناب مزاجره. ثم إن الله تعالى قال في كل كتابٍ، وشَرَعَ لكل أمة أَنْ يعرفوا أنه للمطيعين مُثيبٌ، وللكافرين ذو عذاب شديد.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} أخبر أنه أزاح العِلَّةَ أَنْ يعرفَ صِدْقَ الدعوة، وصحة الشريعة.
ثم وصفَ الكتابَ بأنه شفاءٌ للمؤمنين، وسببُ شقاء للكافرين.
وهو شفاءٌ حيث استراحوا به عن كَدِّ الفكر وتحيُّر الخواطر.
وهو شفاءٌ لضيق صدور المريدين لما فيه من التنعم بقراءته، والتلذُّذ بالتفكُّر فيه.
وهو شفاءٌ لقلوب المحبين من لواعِج الاشتياق لما به من لُطْفِ المواجيد.
وهو شفاءٌ لقلوب العارفين بما يتوالى عليها من أنوار التحقيق، وآثار خطاب الرب العزيز.
{وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ في ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}: هم لا يسمعون بقلوبهم من الحق، ولا يستجيبون.. بقوا في ظلمات الجحد والجهل.
{وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}: لا يزدادون على مر الأيام إلا ضلالًا.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)} آتينا موسى التوراةَ، وأرسلناه إلى قومه، فاختلفوا في أمره.. فَمَنْ كَحَّلْنا سرَّه بنور التوحيد صَدَّقه، ومَنْ أعميناه عن مواقع البيان قابله بالتكذيب وجحده.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} وهي أن عقوبتَهم في النار بعد قيام القيامة لَعَجَّلنا استئصالهم، ولأذقناهم في الحال وبالَهم.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} {فلنفسه} لأن النفعَ عائدٌ إليه. ومَنْ عمل عملًا سيئًا فإنما ظَلَمَ نَفْسَه، وأساء إليها؛ لأنه هو الذي يقاصي ضرَّه ويلاقي شرَّه. اهـ.